الخميس، 10 يوليو 2008

ملوك الكوميديا – هوليود القرن العشرين

تربعوا على عرش الكوميديا لسنوات وسنوات .. سطعت أسماؤهم في سماء الفن وجابت شتى أنحاء المعمورة .. شاهدت أفلامهم الملايين والملايين على مدار مئة عام ، ومازال أحفادهم يشاهدونها إلى الآن .. انتزعوا الضحكات من أفواه الشعوب بأدائهم الفريد وتعبيرهم المدهش .. فأبهجوا الكبار وأسعدوا الصغار وصاروا معشوقين من كافة الأقطار والبلدان ..

إنهم ملوك الكوميديا ــ هوليود القرن العشرين ..

الملك الأول

إذا كنت بصدد الحديث عن ملوك الكوميديا في السينما الأمريكية فهل من المعقول أن أبدأ بأحد غيره ؟!

إنه الملك الأول لهذا الفن الرائع ، والأستاذ الذي تعلم منه كل ممثلي الكوميديا في شتى أنحاء الكرة الأرضية مهما اختلفت جنسياتهم أو لغاتهم .

إنه بأسلوبه المميز الذي لا تخطئه العين ، وأدائه الفريد الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنين ، وهيئته المعروفة التي يحفظها الصغار قبل الكبار ، وشاربه المضحك الصغير .. كل هذه كانت من مقومات نجاح وتميز العبقري .. (شارلي تشابلن) .

ولو كنت أهدف من مقالي هذا إلى تغطية حياة كل نجم .. أو ملك من ملوك الكوميديا في السينما الأمريكية بكل ما قدمه من أفلام رائعة ومتميزة .. فلن يكفي الحديث عن (تشابلن) وحده مقالة أو اثنتين ، ولا حتى عشر مقالات .

إنه بحق أسطورة في مجاله وتشهد أفلامه الكثيرة على ذلك .. أكثر من 85 فيلم قدمها لنا (تشابلن) عبر عمره الذي أمتد ثمانية وثمانين عاما .. كلها كانت من تأليفه وإخراجه .. وأيضا بطولته باستثناء فيلمه الأخير (كونتيسة من هونج كونج) إنتاج عام 1967 .. والذي لعب دور البطولة فيه النجم الشهير (مارلون براندو) تشاركه البطولة النجمة العالمية (صوفيا لورين) .

معظم هذه الأفلام كانت أفلاما قصيرة وصامتة .. بداية من عام 1914 وحتى بعد بدء ظهور وانتشار السينما الناطقة عام 1930 .. إلا أن (تشابلن) كان يعلم أن الناس أحبت تمثيله الصامت واعتادت عليه ، فقدم فيلمين صامتين طويلين في الثلاثينات هما عن حق أجمل وأروع أفلامه كافة .. الأول عام 1931 فيلم (أضواء المدينة) ، والثاني عام 1936 فيلم (الأزمنة الحديثة) .. ثم لحقهما بفيلمه الناطق الأول الذي انتقد فيه الطاغية الشهير (هتلر) ، واستغل الشبه الملحوظ بينهما من حيث قصر القامة والهيئة ــ خاصة الشارب الصغير إياه ــ وهو فيلم (الديكتاتور الكبير) إنتاج عام 1940 وهو العام الذي كان فيه (هتلر) في أوج قوته وجبروته في فترة الحرب العالمية الثانية .

وإذا أردت أن آخذ مشهدا واحدا فقط يظهر مدى عبقرية وموهبة (تشابلن) ـ خاصة وأنه هو من كتبه وأخرجه فضلا عن التمثيل ــ فلن أجد أفضل من المشهد الشهير الذي كان التليفزيون المصري لا يفتأ يعيد عرضه مرات ومرات عديدة عندما كنت صغيرا ، وكنا ـ أنا وأسرتي ـ نضحك عليه حتى تدمع أعيننا شأننا شأن الملايين الذين شاهدوه عبر أقطار العالم .. وهو مشهده مع آلة الطعام الميكانيكية في فيلم (الأزمنة الحديثة) .

لقد برع (تشابلن) في ابتكار هذا المشهد براعة مذهلة .. من حيث الفكرة والأداء والإخراج ، ولخص لنا في مشهد واحد موضوع الفيلم كله ، بل وموضوع العصر وكل العصور في كوميديا مدهشة مذهلة تؤرخ وتدرس وتظل تشاهد لمئات السنين القادمة .

فحينما تطغي شهوة الربح وكنز الأموال على أصحاب الثروة ورجال الأعمال .. لا يفكرون في شيء إلا زيادة ربحيتهم ، حتى أنهم لا يريدون لعمالهم أن يأخذوا قسطا من الراحة أثناء العمل ليتناولوا طعامهم ، وإنما يأكلون بأفواههم بينما تظل أيديهم تعمل وتعمل .. بلا توقف ولا كلل .

وتلك كانت عبقرية (تشابلن) في ابتكار فكرة آلة الطعام الميكانيكية التي تطعم العامل وهو مازال يعمل .. وماذا يمكن أن يحدث له لو تعطلت الآلة أو حدث بها خلل أدى لزيادة سرعتها أو بطئ أدائها .

فهل هناك من يستطيع أداء هذا المشهد أفضل ممن ابتكره وأخرجه ؟!

لا أظن !

الملك الثاني

بالرغم من أنهما اثنان إلا أنه من المستحيل أن أذكر أحدهما دون ذكر الآخر ..

فهل يمكن أن يذكر (توم) دون (جيري) ؟! .. مستحيل !!

وكذلك لا يمكن أن نذكر (لوريل) دون (هاردي) !

إنهما النجمين الساطعين في سماء الكوميديا العالمية طوال قرن كامل حتى الآن، ولم يستطع أي نجمين كوميديين آخرين أن يحققا عشر الشهرة التي حازها هذين الاثنين ..

(ستان لوريل) و(أوليفر هاردي) ..

من منا لم يشاهد لهما شيئا في طفولته ؟

من منا لم يضحك من كل قلبه وهو يتابع مواقفهما الشهيرة وطرائفهما الساخرة ؟

تميز كل منهما بأداء مختلف جعل المشاهد يتفاعل معهما سريعا مهما كانت جنسيته لأنهما يمثلان الكوميديا بمفهومها العالمي .. الضحك من أجل الضحك .

فبينما كان (هاردي) يحاول أن يكون رزينا هادئا ، ويفرض سيطرته على صديقه الأبله (لوريل) .. كان هذا الأخير يبدو دائما شاردا تائها يدفع بكليهما إلى مواقف غاية في الكوميديا والطرافة ، فيفشل (هاردي) في السيطرة على أعصابه وتثور ثائرته مما يودي به إلى مواقف أكثر إضحاكا ، خاصة وهو المشهور ببدانته المفرطة .. وهي الصفة التي يعتبرها الكثير ملازمة لخفة الظل والكوميديا .. وإن كنت غير مقتنع تماما بهذا التعميم .. فهناك من ذوي البدانة من يفوق ثقل ظله ثقل جسده .. وهي كلمة خبير !

قدم (لوريل) و(هاردي) أكثر من 180 فيلم ما بين قصير ومتوسط الطول وما بين صامت وناطق، تعددت فيهم المواقف الكوميدية والقصص الطريفة ، حتى طبقت شهرتهما الأفاق وجابت كافة البلدان والقارات .

وأيضا قدمت شخصيتيهما في رسوم كارتونية عشقها الصغار كما عشقوا الأصل من قبل .

ولا يسعني أن أقول عنهما سوي أنهما أشهر ثنائي كوميدي في تاريخ السينما العالمية وظاهرة لم تتكرر طوال مئة عام من التمثيل والأداء الساخر .. ولا أعتقد أنها ستتكرر !

الملك الثالث

هما أيضا ثنائي بارع حاولا أن يحوزا نفس الشهرة التي حازها من قبل الثنائي السابق .. إلا أنهما لم يوفقا في هذا ، ومع ذلك فقد نجحا في تقديم لون رائع من ألوان الكوميديا ، خاصة وأنهما اعتمادا في أفلامهما على الشخصيات والقصص الشهيرة من الأدب العالمي ، فقدماها بشكل ساخر وممتع جعل المشاهدين يتجاوبون معهم بسرعة فائقة .

إنهما الثنائي الرائع (آبوت وكوستلو) ..


نجح (أبوت وكوستلو) في نقش اسميهما بماء الذهب ضمن قائمة ملوك الكوميديا في القرن العشرين من خلال أفلامهما الممتعة التي حازت شهرة عريضة ، لأنها جمعت بين الكوميديا والشخصيات والقصص العالمية الشهيرة .. فقد قدما ما يقرب من 40 فيلما تحمل اسميهما .. من أشهرها أفلام:

أبوت وكوستلو يقابلان المومياء
أبوت وكوستلو يقابلان الرجل الخفي
أبوت وكوستلو يقابلان دكتور جيكل ومستر هايد
تائه في ألاسكا
امسك هذا الشبح
جاك والفاصوليا السحرية

إلا أن أشهر أفلامهم على الإطلاق وأكثرها كوميديا فيلم (أبوت وكوستلو يقابلان فرانكشتاين) انتاج 1948 فقد جمع هذا الفيلم ثلاثة من أشهر أبطال قصص الرعب العالمية وهم مسخ فرانكشتاين قدمه في الفيلم الممثل الشهير (بوريس كارلوف) الذي تخصص في أداء هذا الدور بالذات في السينما العالمية وأمير الظلام (الكونت دراكيولا) وقدمه أيضا الممثل الذي تخصص في أداء هذا الدور في عقدي الثلاثينات والأربعينات (بيلا لوجوزي) .. ومعهم الرجل الذئب وقدمه الممثل الشهير (لون تشيني جي آر) وهو كذلك كان متخصصا في أداء ذلك الدور .

ولقد عرض التليفزيون المصري هذا الفيلم في بداية التسعينات تحت اسم (العملاق والوطواط والرجل الذئب) .. وكان (إسماعيل يس) قد اقتبسه للسينما المصرية من قبل في الخمسينات في فيلم بعنوان (حرام عليك) شاركه البطولة فيه الممثل (عبد الفتاح القصري) ..

ولكن شتان ما بين الأصل والتقليد !!


الملك الرابع

هو ملك من طراز خاص ، جمع بين الكوميديا والاستعراض والغناء في مزيج رائع .. حينما كان يعرض له فيلم في التليفزيون وأنا صغير كنت أترك كل ما بيدي وأهرع فرحا لمشاهدته وأنا على يقين أني سأحظى بساعة ونصف على الأقل من الضحك المتواصل .

إنه ملك الكوميديا في الخمسينات والستينات من القرن العشرين بلا جدال ..

النجم العالمي (جيري لويس) ..

قدم لنا (جيري لويس) العديد والعديد من الأفلام الكوميدية الرائعة .. ما يقرب من 70 فيلما كان أشهرها وأجملها فليم The Nutty Professor الأستاذ العجيب عام 1963 .. وتدور قصته حول عالم عبقري ولكنه عاشق وتمنعه دمامته من البوح بحبه لحبيبته ، فيعمل على اختراع سائل يمنحه الوسامة والصوت العذب حتى يحظى بحبها ولكن ليس بلا عواقب.. وهي قصة قريبة نوعا ما لرواية (روبرت لويس ستيفنسون) فائقة الشهرة (الحالة الفريدة لدكتور جيكل ومستر هايد) .

كما شكل (جيري لويس) في عقد الخمسينات ثنائي ناجح جدا مع الممثل والمطرب الشهير آنذاك (دين مارتن) .. حيث كان كل منهما يمثل نوع من أنواع الغناء والمنولوج الممتزج بالكوميديا وهو ما نفس ما قدمه لنا (فريد الأطرش) و(إسماعيل يس) في بعض أفلامهما .

إلا أن الأستاذ العجيب يظل أفضل أفلام (جيري لويس) على الإطلاق .. فقد أظهر مدى براعته وتمكنه من فن الكوميديا كما لم يحدث في كل أفلامه السابقة .

الملك الخامس

وهو أيضا ملك من طراز خاص .. طراز جمع بين الكوميديا والفلسفة لو جاز التعبير .. فهو ليس فقط ممثل ساخر ولكن أيضا فيلسوف في أدائه ، حتى أنه قد يقدم عدة أدوار في فيلم واحد يبرز في كل دور منهم عبقرية مختلفة في الأداء الكوميدي .

إنه النجم المتميز (بيتر سيلرز) ..

تميز أداؤه بالعبقرية والبراعة الشديدة .. وقد قدم للسينما العالمية ما يزيد عن 70 فيلما من أشهرها سلسلة أفلامه الجميلة (الفهد الوردي) وهي ستة أفلام .. فيلمين في الستينات وأربعة أفلام في السبعينات آخرها (أثر الفهد الوردي) وقد عرض بعد رحيله وكان شبه تأبين لعبقريته في فن الكوميديا .

إلا أن أشهر أفلامه وأهمها على الإطلاق فيلم (دكتور سترنجلاف .. أو كيف تعلمت أن أكف عن القلق وأعشق القنبلة !!) انتاج عام 1964 .. وهو فيلم رائع وساخر جدا وتكمن أهميته في أنه يثير مسألة الرعب من الأسلحة النووية إذا ما نشبت حرب عالمية ثالثة ، وهو ما يزال يمثل هاجس عام لدى البشرية حتى يومنا هذا .

وتدور قصة الفيلم حول قائد أمريكي مجنون يقرر بدأ الحرب العالمية الثالثة دون الرجوع إلى قادته .. وقد قام (بيتر سيلرز) بأداء ثلاثة أدوار مختلفة في الفيلم أبرزت موهبته الرائعة في الأداء الكوميدي ..

أول هذه الأدوار هو دور الضابط المساعد للقائد المجنون، وكيف كان يتعامل معه في خوف ممتزج بالحرص والريبة .. الدور الثاني هو دور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه وكيف كان يعامل نظيره السوفيتي محاولا الحفاظ على الهيبة الأمريكية مع الاعتذار الرقيق عن أن أحد قادته قد يضرب الأراضي السوفيتية بالصورايخ النووية .. أما الدور الثالث والذي أبدع فيه حقا النجم الراحل فهو دور دكتور (سترنجلاف) نفسه .. العالم المقعد ، غريب الأطوار والذي لا يكف عن حركاته المتشنجة طوال مدة عرض الفيلم ، وطريقة كلامه البارعة شديدة الكوميديا .

إنه بحق كان أستاذا في تقمص الشخصيات وسيبقى اسم المفتش (كلوزو) ـ وهو اسمه في سلسلة الفهد الوردي ـ عالقا في أذهان كل من شاهدوه وأضحكهم أداؤه .

الملك الحالي

بعد وفاة (بيتر سيلرز) .. ظهر العديد والعديد من نجوم الكوميديا في السينما الأمريكية من أشهرهم النجمين الأسمرين (إيدي ميرفي) في الثمانينات و(مارتن لورانس) في التسعينات.. إلا أن أحدهما لم يتربع على عرش الكوميديا بالصورة التي يمكن معها اعتبار أي منهما ملكا متوجا لفن الكوميديا كأولئك الملوك السابقين .. حتى ظهر هو في منتصف التسعينات متألقا بوهج ساطع خفت إلى جانبه وهج كل نجوم الكوميديا في تلك الفترة .

إنه المضحك الضاحك والكوميديان العاصفة (جيم كاري) ..

وإذا أردت الحديث عن (جيم كاري) فعن ماذا أتحدث ؟!

عن (الغبي والأغبى) أم عن (أيس فنتورا) ؟!

عن (كذاب ـ كذاب) أم عن (ترومان شو) ؟!

أم عن أجمل أفلامه وأحبها إلى قلوب الصغار والكبار أيضا .. فيلم (القناع) .

الحقيقة أن أفلام (جيم كاري) متساوية الروعة بشكل كبير إلا أن أحدها يختلف تماما عن بقية أفلامه ذات الطابع عالي الكوميديا والسخرية .. وهو فيلمه الذي قدمه في العقد الحالي بعد تألقه الرائع في عقد التسعينات وحصوله على لقب ملك الكوميديا بلا منازع ..

فيلم Eternal Sunshine of the Spotless Mind ـ إشراقة أبدية للعقل الطاهر إنتاج عام 2004 .. وهو بحق أروع وأجمل أفلام (جيم كاري) رغم عدم غلبة الطابع الكوميدي عليه .. فهو من النوع الفانتازي الرومانسي .. لكن شخصية (جيم) المعروفة صبغت الفيلم بالكوميديا في مشاهد عديدة ، فزادته جمالا وتألقا .

وفكرة الفيلم نفسها من الروعة ، حيث مفادها أن على المحب أن يتقبل حبيبه بعيوبه قبل مميزاته فنحن في النهاية بشر ولا يوجد مخلوق كامل .. وأنه إذا كان مقدر لك شخص بعينه فسوف تجمعكما الأيام ، حتى ولو محيت ذاكرتك وذاكرتها فسوف تلتقيان ثانية وتبدأ قصتكما من جديد .

وهو ما لا يمكن أن يتواجد سوى على شاشة السينما والأفلام ذات الطابع الفانتازي .. فالحب نفسه ليس سوى أداة من أدوات الخيال .. ولا يمكن له أن يحيا ويستمر سوى في عوالمه وتحت سمائه الوردية .

ويعود (جيم كاري) بعد هذا الفيلم إلى طابعه القديم ، فيقدم فيلما آخر من أفلامه شديدة الكوميديا بعنوان (امرح مع ديك وجين) وهو مأخوذ من فيلم أميركي كلاسيكي قدمته السينما الأمريكية سابقا في عقد السبعينات .. وكالعادة تم اقتباسه من قبل (عادل إمام) في فيلم (عصابة حمادة وتوتو) .

ومازال (جيم كاري) متربعا على عرش الكوميديا العالمية حتى يومنا هذا ، ولم يظهر له منافس حقيقي ينازعه في مملكته .. مملكة الكوميديا .

الملك الذي ظلمته هوليود

من وجهة نظري هو كوميديان رائع .. ولكن لم يأخذ فرصته مع التألق الباهر للنجم (جيم كاري) .. خاصة وأن بينهما شبه في الملامح وطريقة الأداء ، بل وحتى هناك شبه في الاسم نوعا ما .. ولكني كنت ومازلت أعتبره ملك غير متوج في مملكة الكوميديا والأداء الساخر ..

إنه الممثل غير الشهير ذو الموهبة الرائعة والفن الجميل (كاري إلوز) ..

تألق (كاري إلوز) منذ حداثته فى الأفلام الفانتازية الرومانسية ، ومن أشهر أفلامه في هذا النوع فيلم (الأميرة العروس) إنتاج 1987 .. وكان يصبغ أداءه دائما بالطابع الكوميدي ، حتى جاء عام 1993 فقدم أروع أفلامه على الإطلاق فبدا كقنبلة من الكوميديا انفجرت في وجوه المشاهدين ..

فيلم (روبين هود ـ رجال في الجوارب) ..

كان أداءه في هذا الفيلم مدهشا جعلني أضحك عليه حينما شاهدته ـ في العام التالي لعرضه مباشرة ـ ضحكا متواصلا يكاد يصيب المرء بالغيبوبة .. وقد كنت أتوقع له نجاحا متزايدا إلا أن بزوغ نجم (جيم كاري) في نفس العام 1994 جعل المنتجين يتناسونه كما يبدو .. فعاد لأدواره المعتادة ذات الطابع الرومانسي أحيانا والشرير أحيانا وهو ما يؤكد مدى موهبته .. إذ كيف لمن يؤدي هذه الكوميديا الرائعة والرومانسية الرقيقة أن يؤدي بنفس البراعة أدوار الشر أيضا ..

ولكن كذا هو الممثل الموهوب .. خاصة إن كان ..

ملك غير متوج !

الثلاثاء، 1 يوليو 2008

السينما الكلاسيكية - الماضي والحاضر والمستقبل


الماضي دائما ما يبهرني .. فقط لكونه ماضي !!

نعم .. فكثيرا حينما أشاهد فيلما من أفلام السينما الكلاسيكية ، مضى على إنتاجه خمسين عاما أو يزيد أجد في خلفية عقلي ــ وأنا مندمج مع أحداث الفيلم ــ جزء يتساءل : " كيف كانت ستمضى حياتي لو أنني عشت في هذا الزمان ؟! .. كيف كنت سأعيش بدون الكمبيوتر والإنترنت والمحمول ؟! .. كيف كان يحيا أولئك الناس بدون أن يشاهدوا الفضائيات ؟! .. بل كيف كنت سأحتمل هذا المنظر الأبيض والأسود حولي في كل مكان أذهب إليه ؟! "

طبعا السؤال الأخير هو أكثر الأسئلة سخرية في الموضوع .. فكل من يشاهد الأفلام الكلاسيكية يتخيل أنه إذا رجع في الماضي 50 عام أو أكثر فسيجد الكرة الأرضية كلها وقد تلونت باللونين الأبيض والأسود وبينهما درجات الرمادي المختلفة .

إلا أنني بعيدا عن هذه التساؤلات أجد في نفسي ميلا وحنينا شديدا إلى الماضي الذي لم أعشه قط، ولدى مشاهدتي لفيلم من أفلام الأربعينات أو الخمسينات أنظر للممثل بنظرة متفحصة ، وأقول في ذهني هذا الرجل لم يعد موجودا على ظهر الأرض ـ على الأرجح ـ ومع ذلك فأنا الآن أشاهده وأسمع صوته وأدرك كيف كانت هيئة .. حركاته وسكناته .. كيف كانت ابتسامته وكيف كانت غضبته .. حتى وإن كان يمثل .. فمهما بلغت براعة الممثل تظل تعبيراته الشخصية ملازمة له ، فكيف الحال إذا كان الفيلم من الثلاثينات أو العشرينات .. وماذا لو احتوى على مجاميع ـ كومبارس ؟!

لن أنسى أبدا مشهد الثلاثين ألف كومبارس في فيلم الخيال العلمي الرائع Metropolis ـ إنتاج 1927 ـ يتدافعون هنا وهناك ، ويملئون المشهد بالحيوية والإثارة .. يا الله ! .. كل هؤلاء لم يعد لهم وجود ! .. حقا إن السينما آلة مدهشة فحين ترى مشهد كهذا أو مشهد حقيقي لأحد الميادين العامة ــ في أي دولة كانت لا يهم ــ مضى على تصويره 60 أو 70 عاما يأخذك الذهول .. وتتساءل :

أحقا عاش هؤلاء الناس ؟! أحقا كانوا يروحون ويجيئون مثلنا ؟!

هذا الرجل هناك .. لا لا هذا ـ صاحب المعطف والقبعة .. أين كان ذاهب لحظتها وفيم كان يفكر ؟! ترى من أين اشترى قبعته هذه وكم كان سعرها ؟! هل هو سعيد ؟! هل يحب زمانه هذا أم يرى الماضي أفضل ؟! أم يتطلع إلى المستقبل ؟!

وأحفادنا الذين سيملئون الأرض يوما .. حينما سيشاهدون أفلامنا الآن .. هل ستعجبهم ؟! أم سيرونها سخيفة عديمة الإمكانيات ؟!

لي صديق لا يحب مشاهدة أي فيلم مضى على إنتاجه عشر سنوات تصوروا ؟!

هل سيأتي اليوم الذي يقول فيه قائل عن سلاسل مبهرة كـ Star Wars و Lord of The Rings وغيرها .. ما هذا الإنتاج التافه ؟! .. ما تلك الإمكانيات الفقيرة ؟! .. أين تذهب هذه الأفلام بجوار أفلام اليوم ؟!

لا أستبعد هذا ، بل أنا متأكد من حدوثه .. ليس رجما بالغيب .. بل قراءة للواقع الفعلي .

ولكن تبقى الأفلام الكلاسيكية مبهرة بأسلوبها الخاص ــ أسلوب المشاعر ــ فالتكنولوجيا قد أضفت على الأفلام الحديثة نوعا من الآلية المصاحبة لها ، فصار كثيرا من الممثلين يبدون كشخصيات الجرافيك ، بل إن المخرجين يفكرون باستبدالهم بشخصيات جرافيك فعلا .. ربما استطاعوا بإمكانياتهم في الإخراج أن يجعلوهم أكثر إنسانية !!

وفيلم Simon ـ إنتاج 2002 ـ في رأيي ليس مجرد ضحكة سخرية .. برغم من تأكيدهم أنه يبدو كذلك !

وإذا كنت أتحدث عن السينما الكلاسيكية فلابد أن يأخذني الحديث عن أروع خمس أفلام كلاسيكية شاهدتها في حياتي ، وكلها من إنتاج عقد الثلاثينات من القرن العشرين .. ولكن لماذا عقد الثلاثينات بالذات ؟

الإجابة بسيطة .. فالثلاثينات تمثل بداية النضج السينمائي في السينما العالمية ، وبداية إنتاج الأفلام الطويلة الناطقة .. والمأخوذة عن روايات عالمية رائعة ، قرأها الآلاف في شتى أنحاء المعمورة ، حيث كانت هواية القراءة هي الهواية الرئيسية المسيطرة في القرني الثامن والتاسع عشر الميلاديين ، ومنذ اختراع آلة الطباعة ونشاط حركة التأليف والترجمة وكل المثقفين يقرءون تلك الروايات ، وبهذا صار مضمونا نجاح الأفلام المأخوذة عنها حتى قبل البدء في إنتاجها .. نظرا لتلهف المشاهدين إلى مشاهدة ما قرءوه مجسدا أمامهم .. ولكن هذا لم يكن ليتأتى إلا مع وجود مخرجين عباقرة غاية في التمكن من أدواتهم الفنية ، وممثلين ذوي ثقافة عالية وقدرات فذة في الأداء التمثيلي ، ليقدموا لنا أفلاما تظل تشاهد وتستحسن حتى يومنا هذا .

وأول هذه الأفلام الخمسة التي ذكرتها هو فيلم City Lights أضواء المدينة ـ إنتاج 1931 ـ لعبقري الكوميديا والأستاذ الأول لهذا الفن الرائع والذي تعلم منه كافة نجوم الكوميديا في شتى البلدان .. (شارلي تشابلن) .

قدم لنا (تشابلن) في هذا الفيلم رواية رائعة امتزجت فيها الكوميديا بالرومانسية مزيجا فريدا، وأيضا لم يخل الفيلم في بعض مشاهده من لحظات حزينة ، وإن كانت تزيد من روعة الجو الرومانسي المسيطر على معظم مشاهد الفيلم .. فبالبطل هنا (تشابلن) يقوم بدور الصعلوك المعتاد الذي يحاول بشتى السبل مساعدة حبيبته الفتاة الحسناء على استرداد بصرها المفقود .. فيضحى براحته وحريته لينجح في النهاية ويتمكن من مساعدتها ، فقط لتكتشف هي أن من أحبها وساعدها وظنته مليونيرا كبيرا .. ليس سوى صعلوكا متشردا خارج من السجن لا يملك قوت يومه .

وقد قدم (إسماعيل يس) هذه القصة في السينما المصرية في فيلم لا أذكر اسمه حاليا ولا يهم ذكر اسمه .. فهو مقارنه بالفيلم الأصلي شأنه شأن كل الأفلام العربية ــ وهي كثيرة جدا ــ المسروقة من أفلام عالمية .. لا تحتوي على ذرة من جمال أو تعلق في الذهن لحظة واحدة !

أما الفيلم الثاني فهو أيضا للعبقري (تشابلن)، فيلم Modern Times الأزمنة الحديثة ـ إنتاج 1936ـ وهو فيلم نادرا ما تشاهد مثله بما يحتويه من كوميديا راقية تنتقد حال المجتمعات المدنية الصناعية في عقد الثلاثينات ، حيث توحش الرأسماليين ولم يعد يهمهم سوى الربح فقط حتى وإن أدى الأمر إلى تشغيل المصانع 24 ساعة دون توقف ، ولتذهب راحة عمالهم وآدميتهم إلى الجحيم.
وهو ما نراه قد عاد في عصرنا هذا بصورة أشد ، مما ينذر بحالة من الكساد الاقتصادي العالمي تجتاح الدول الرأسمالية كما حدث في تلك الفترة .. لذا فمشاهدة هذا الفيلم مشاهدة متأنية توضح لنا أنه ليس مجرد فيلم كوميدي عن عامل بسيط فقد عمله وتشرد في الشوارع ، وإنما هو صيحة تحذيرية يطلقها لنا (تشابلن) ليؤكد بهذا مدى بعد نظره على الصعيديين الفني والاقتصادي
.

ومع المغامرة والحب والفروسية يأتي فيلمنا الثالث .. فنرجع ثمانية قرون في الماضي إلى إنجلترا ، لنعيش مع (روبين هود) اللص النبيل مئة دقيقة من الإثارة والمغامرات والضحك في فيلم The Adventures Of Robin Hood مغامرات روبين هود ـ إنتاج 1938ـ وشخصية (روبين هود) كما يعلم عشاق الروايات الكلاسيكية من الشخصيات ذات الطابع الفريد في الأدب العالمي .. الأمير النبيل الذي يتخلى عن مكانته وإقطاعه ليحارب الفساد ويساعد بني قومه من الساكسون ، في مواجهة ظلم واستبداد الأمير (جون) أخو الملك الشهير في الحملات الصليبية على الشرق المسلم (ريتشارد قلب الأسد) .

ولقد أدي (إرول فلين) دور (روبين هود) ببراعة منقطعة النظير ، وكذلك فعلت الجميلة (أوليفيا دي هافيلاند) في دور الأميرة (ماريان) .. وحينما تشاهد الفيلم الآن وبعد مرور 70 عاما على إنتاجه لا تشعر بأي نوع من الملل أو الضيق ، خاصة وقد أضافت الألوان المستحدثة على الفيلم فيما بعد جمال إضافي وكأنك تشاهد لوحات فنية متحركة لفناني عصر النهضة .

أما فيلمنا الرابع فهو أشهر من نار على علم، فيلم Gone With The Wind ذهب مع الريح ـ إنتاج 1939ـ وهو أيضا مأخوذ عن رواية عالمية شهيرة للأديبة (مارجريت ميتشيل) .. وهي بالمناسبة روايتها الوحيدة ولكنها كانت فيها الكفاية لإنتاج مثل هذا الفيلم الفريد والرائع لعملاق السينما العالمية في ذاك الوقت (كلارك جيبل) تشاركه البطولة الممثلة (فيفيان لي) ، وأيضا كانت معهم في دور صديقة البطلة (أوليفيا دي هافيلاند) .. وقصة الفيلم نفسها جذابة وممتعة إلى درجة تجعل المشاهد لا يشعر بأربع ساعات متواصلة هي مدة عرض الفيلم ، وخلفية الأحداث هي أهم فترة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في رأيي ، وهي فترة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في عهد (إبراهام لينكولن) ، والتي صنعت القطب الأوحد للعالم الآن بقوتها وغرورها المعروفين .

ومسك الختام هو فيلم من أحب وأقرب الأفلام إلى قلبي منذ الطفولة .. شاهدته عشرات المرات على مدار عمري ولم أمل منه قط .. وهو فيلم The Wizard Of OZ ساحر أوز ـ وهو من إنتاج 1939 أيضا ـ ولا أجد ما أقوله عن هذا الفيلم الممتع جدا سوى أنه الفانتازيا الخالصة ..

رقة وعذوبة (جودي جارلاند) في دور (دورثي) الصغيرة، بالرغم من أنها كانت أكبر من المطلوب إلا أنها جعلت كل من يشاهد الفيلم صغيرا كان أم كبيرا يعشق (دورثي) ويعشق بكارتها وبراءتها وما تمثله من أحلام طفولية جميلة ، وطبيعة ريفية بسيطة ، لم تشوه ملامحها مخالب المدينة ، ولم تنهش عذوبتها أنياب الواقع الدنيء .

والأبطال الثلاثة برفقتها .. خيال المآته (الفزّاعة) ، والرجل الصفيح ، والأسد الجبان .. كل منهم أدى دوره ممثل غاية في البراعة ، وكذلك الساحرتين الخيرة والشريرة .. وأيضا لا ننسى ساحر أوز نفسه الذي يتضح في النهاية أنه ليس بساحر مخيف كما ظهر في اللقاء الأول له مع (دورثي) ، وإنما هو رجل حكيم وعالم بسيط يمتع بروح مرحة جعلته يبتكر فكرة الساحر هذه لمساعدة الناس .

إن جمال وروعة السينما الكلاسيكية ينبعان من كونها سينما ما قبل الفضائيات .. ما قبل ثورة الاتصالات والمعلومات ..

سينما طازجة أشبه بالفواكه والخضروات الطازجة .. زاهية اللون .. حلوة الطعم .. زكية الرائحة ..

أما سينما اليوم ـ في معظم ما تقدمه من أفلام ـ فهي أشبه بالمعلبات والوجبات السريعة ..

تفتقد إلى اللون والطعم والرائحة ..

سينما تيك أوي !